onboard.sosmediterranee.ch

واستقر رأينا على أن نثب من ظهر القارب وأن نلقى حتفنا إذا لم نبلغ بر الأمان

 

أغاثت سفينة « الأوشن فايكنغ » كلا من بشار ومحمد وانتشلتهما من قارب خشبي ، علاوة على 56 شخصًا آخر، من الأهل والرفاق من أبناء بلدتهما الواقعة في سوريا، في 19 أيلول/سبتمبر. وكان الفريق العامل على متن المركب الشراعي المعروف باسم « ندير » والتابع لمنظمة « رسكشيب » غير الحكومية، قدعثر عليهم أول الأمر ومد لهم يد العون وروى ظمأهم وراقب وضعهم عن كثب قبل وصول فريق الإنقاذ التابع لمنظمة الإغاثة البحرية على عين المكان. وعلى متن سفينة « الأوشن فايكنغ »، وفي انتظار الحصول على الإذن بالنزول من السفينة وحط الرحال في ملاذ آمن، شرح ابنا العم الأسباب وراء ذهابهما إلى ليبيا وسقوطهما في دوامة عنف جديدة أدت بهما إلى وضع حياتهما على المحك في خضم اليم بحثًا عن الأمان، بعد مرور ثمانية أعوام على فرارهما من سوريا

وعلى سطح سفينة « الأوشن فايكنغ »، انتبذ بشار ومحمد مكاناً قصياً عن أنظار الناجين الآخرين البالغ عددهم 121  ناجياً، بغية سرد طور من أطوار المحنة التي مرّا بها.. واستهل بشار حديثه قائلاً: » تركنا سوريا منذ ثمانية أعوام خلت من جراء الحرب. وفي بادئ الأمر توجهنا إلى لبنان باعتباره بلداً مجاوراً. لكن العنصرية إزاء السوريين كانت مستفحلة هناك. » ويردف بشار موضحًا: » أضحت حياتنا محفوفة بالمخاطر مجدداً. فعقدنا العزم على المغادرة

وقضى ابنا العم ثلاثة أشهر ونصف في ليبيا حيث يشرحان تعرضهما « لسوء المعاملة ». ويؤكد كلاهما أنهما قد هُددا بالقتل مرات عديدة: « كانت ليبيا تعج بالميليشيات التي كانت تشهر أسلحتها في وجوهنا وتتوعدنا بالويل والثبور. وكانت هذه الميليشيات تصوب أسلحتها نحونا. ولم نكن نعلم لذلك سبباً  » وسبق للشابين أن حاولا الفرار من ليبيا بحراً قبل أن تُغيثهما سفينة « الأوشن فايكنغ ». وحدث ذلك منذ شهرين. « عندما حاولنا عبور البحر الأبيض المتوسط أول مرة، أحبط خفر السواحل الليبي محاولتنا. فأُجبرنا على العودة إلى ليبيا وزُج بنا على الفور في السجن*. وجردونا من كل ما بحوزتنا، بما في ذلك الأشياء التي لا قيمة لها. وطالنا من الطعام نزر قليل ومن العنف شيء كثير. وأُبرح الكل ضرباً حتى إن بعضهم كانوا يغيبون عن الوعي أحياناً. وكانت الدماء تنزف كثيرا. فقد كانوا يستخدمون كل ما تقع عليه أيديهم من أدوات لضربنا. » ومن الجلي ما لهذه المحنة من وقع عظيم في نفس محمد: « لقد كان الوقت الذي قضيته وراء القضبان أشد وقعاً في نفسي من الرحلة الشاقة التي قضيتها في عرض البحر. كان المكان لا يتسع لأكثر من 200 شخص، وزج فيه 400 شخص يتعرضون للتجويع والضرب والتحرش في غالب الأحيان/يتضورون جوعًا ويُشبعون ضرباً وتحرشاً في أغلب الأحيان ». وكان على ابنا العم وأقربائهما وأصدقائهما أن يدفعوا المال لقاء استعادة حريتهم، ويؤكد بشار قائلًا: »ما كان لي أن أغادر الحجز لولا أن دفع فرد من أفراد أسرتي المال مقابل تحريري »، ويضيف محمد قائلًا: » يلقى الناس حتفهم في مركز الحجز »، ويُردف بقوله:عند مغادرتي، تناهى إلى مسامعي أن رجلاً حاول الفرار قد أُردي قتيلًا. قد يعجز المرء عن تصديق مثل هذه الأخبار، لكن معرفتنا بضروب المعاملة التي يلقاها المحتجزون في   مركز الحجز يجعلني لا أستبعد إمكانية أن يقدم السجانون على قتل الناس رمياً بالرصاص

« قيل لنا إن القارب سيكون في حالة جيدة، مجهزاً بسترات نجاة و مؤن، لكن لم يكن الأمر كذلك »

قضى بشار ومحمد وآخرون يبلغ عددهم 56 شخصا عُثر عليهم على متن القارب الخشبي المكروب، 22 ساعة في عرض البحر، دون طعام أو شراب. وخلال السويعات الأخيرة التي سبقت إنقاذهم على يد فريق منظمة الإغاثة البحرية، نفد الوقود وهاج البحر أكثر فأكثر. ويصرح بشار قائلًا: « كنا على اخر قوانا ». لقد حاولوا الاتصال بمركز تنسيق الإنقاذ البحري الإيطالي بواسطة هاتف ساتلي/قمر اصطناعي لكنهم «سمعوا محادثة بين ليبين مصادفة » فاستسلموا لأمرهم خشية أن يعترضوا طريقهم وبادروا بالعودة إلى ليبيا

وكان قد قيل لبشار ومحمد في المرة الأولى التي حاولا فيها الفرار من ليبيا بحراً إنهما سيبحران على متن قارب ملائم مجهز بكل ما يلزم من احتياجات ضرورية. ويصرح بشار: قيل لنا إن القارب سيكون في حالة جيدة مجهزاً بسترات نجاة وطعام وشراب، لكن لم يكن الأمر كذلك

أما حين عاود الكرة، فقد كان على بينة من أن القارب سيكون في حالة سيئة، لكنه أقدم على محاولة الفرار من ليبيا عن طريق البحر مجدداً على الرغم من ذلك. ويقول محمد: عقدت العزم رفقة ابن عمي على أن تكون هذه المحاولة آخر محاولاتنا. واستقر رأينا على أن نثب من ظهر القارب وأن نلقى حتفنا إذا لم نفلح في بلوغ بر الأمان. ليست العودة خيارًا متاحًا أمامنا: لا تسعنا العودة إلى ليبيا ولا إلى سوريا ولا إلى لبنان. » ويستأنف محمد حديثه قائلًا: » أوشكنا على الهلاك في عرض البحر لكننا أوشكنا على الهلاك في السجن أيضاً في ليبيا. لذلك عقدنا هذا الاتفاق. وعندما وقعت أنظارنا على الراية الألمانية المرفرفة على مركب « ندير » الشراعي، لم نكد نصدق ما رأيناه بأم أعيننا. »

وفي الثاني والعشرين من أيلول/سبتمبر، وعلى مؤخرة السفينة، أجاب بشار عندما سئلا عن الأحلام التي يتوقان إلى تحقيقها قائلًا:لا نود غير العيش في أمن وأمان وأن نعامل معاملة البشر. لا نطمع في الحصول على أي مساعدات من الحكومات. حسبنا أن نحظى بالأمن وحسن المعاملة

كثيرا ما يستخدم الناجون كلمة « سجن » عند الإشارة إلى مراكز الحجز رسمية كانت أم غير رسمية*

 

جمعت لورنس بوندار هذه الشهادة وترجمتها مرام، موظفة الاتصالات والوسيطة الثقافية التابعة لمنظمة الإغاثة البحرية، في أيلول/سبتمبر 2021

الصورة:بشار* ومحمد* على متن السطح الرئيسي لسفينة « الأوشن فايكنغ » في الثاني والعشرين من أيلول/سبتمبر. حقوق التأليف والنشر محفوظة \ تصوير لورنس بوندار/منظمة الإغاثة البحرية