onboard.sosmediterranee.ch

هذه ثالث محاولاتي من أجل الفرار من ليبيا. مجازفة لا بدّ منها

شهادة مبارك، من العاصمة الغينية كوناكري، البالغ من العمر 17  ربيعا. دونت لورانس بوندار هذه الشهادة في 23  آذار/مارس 2021

أغاثت سفينة الأوشين فايكنغ المدعو مبارك* في المياه الدولية قبالة ليبيا في 20 آذار/مارس 2021. إذ ثقب المركب المطاطي الذي كان على متنه رفقة 105 أشخاص آخرين. وكانت المياه قد تسللت إلى القارب عند وصول فرق الإنقاذ التابعة لمنظمتنا. وازداد الجو سوءًا. وبعد ما لا يزيد عن ساعتين فحسب من انتهاء عملية الإنقاذ، هبت عاصفة هوجاء في البحر الأبيض المتوسط. ولو لم تتدخل فرقنا، لأودت الأحوال الجوية بحياة جميع الأطفال والنساء والرجال الذين كانوا على متن القارب دون ارتداء سترات نجاة. فقد نجا مبارك الذي لم يتجاوز سن السابعة عشر من العديد من المآسي، بما فيها تحطم سفينة قبالة السواحل الليبية. وقبل سويعات من رحيله صوب مدينة أوغوستا الواقعة في صقلية في 23 آذار/مارس، أراد هذا الفتى الغيني أن يروي لنا قسما من قصته

إنها ثالث محاولاتي الرامية إلى الفرار من ليبيا بحرا. إنها مجازفة لا مناص من الإقدام عليها. فالمكوث في ليبيا أشد خطرا. إذ تنعدم الحياة هناك. إنها الجحيم بعينه. وعندما ركبت البحر أول مرة، كنا قد غادرنا السواحل الليبية على حوالي الساعة 11  ليلا. في حزيران/يونيو 2020 . ظللنا أربعة أيام في البحر. تهنا وكان الجو سيئا. العواصف والأمطار… ابتللنا وخارت قوانا. وتقيأ البعض بينما أغمي على البعض الآخر. وحمدا لله على أنه لم يكن هناك موتى. وظللنا نحوم حول سفينة طيلة ثلاثة أيام. وكانت هذه الأخيرة ناقلة نفط. لم تكن توجد سفن مساعدة إنسانية آنذاك. كنا نود الذهاب مباشرة إلى لامبيدوسا لكن لم ينجح الأمر. وبعد أربعة أيام، قررنا أن نعود أدراجنا وعدنا إلى الزاوية. لم يكن أمامنا خيار آخر

 

« لقي ثلاثة أشخاص حتفهم في ذلك اليوم »

وفي المرة الثانية، في كانون الأول/ديسمبر 2020، تحطمت بنا السفينة. أبحرنا على الساعة 11  ليلا. كنا 130 شخصا بالإضافة إلى بضعة أشخاص آخرين. كان هناك أطفال ونساء حوامل ورضّع كذلك بين سن الثانية والثالثة. كان القارب شديد الاقتضاض. في البداية قلنا إن القارب سيئ. لكن قيل لنا أنه ما من خيار أمامنا وأننا إذا مكثنا فسنخسر أموالنا. لم يكن بوسعنا أن نعود أدراجنا. وغرق القارب قرابة الساعة 9   صباحا إلى حدود الساعة العاشرة تقريبا. لاحظنا ثقب في جزء من القارب القارب المطاطي. فسقط الأشخاص القابعون في تلك الجهة من القارب في البحر. وكانت الجهة الأخرى سليمة لكن كان يتعين الحذر من تعبئة ذلك الطرف فوق طاقته كي لا يسقط الجميع في الماء. لقي ثلاثة أشخاص حتفهم في ذلك اليوم. كان الأمر كارثيا. لكن أنجى الله البعض منا. لم يقع الهاتف في الماء فتمكنا من الاتصال بهاتف التنبيه التابع لخدمة المساعدة الهاتفية في البحر الأبيض المتوسط لتحديد موقعنا. وقدم حرس السواحل الليبي وقال أعوانه أنهم سيطعموننا ثم سيخلون سبيلنا. لكنهم غيروا رأيهم على حين غرة. فأرسلونا إلى مركز حجز حيث يتعين على المرء دفع المال للمغادرة. أما إذا كان المرء معدما فسيقبع هناك. ولا سبيل إلى إعادته إلى موطنه

كان الله في عوني. فقد أفلحت في مغادرة مركز الحجز في غضون 14 يوما. وجدت أشخاصًا قبعوا في السجن لما يزيد عن ستة أشهر. كان الأمر عسيرا للغاية. وما أن غادرت الحجز حتى قلت في نفسي إن على المحاولة مجددا. وكنت أدرك حجم الخطر بطبيعة الحال. كنت أعرف ذلك تمام المعرفة. فالأمر في غاية الخطورة. إذ لقي العديد من الناس حتفهم في ذلك اليوم. لكن، حتى وإن كان المرء يمقت فكرة الموت، فإنه لا يستطيع الامتناع عن المحاولة. فمغادرة ليبيا بحرا أفضل من المكوث فيها. إذ يعامل المرء كعبد في ليبيا. وفي سنة 2017، ارتكبوا أمورًا على مرأى ومسمع من الناس. لكن أفاق العالم لذلك. إذ ترتكب الأمور خلسة الآن، لكن السلطات على علم بها

ثمة أرقام هاتفية على ثياب الناس. بمن فيهم أنا، للحاجة. لأن المركب إذا دفع في عرض البحر فإن المرء يمكن أن يفلح في العبور أو يغرق أو يقبض عليه. وإن تم القبض عليه فالسجن هو المآل (يقصد به مركز الحجز) لا مفر. وإن زج بالمرء في السجن فإن السبيل الوحيد للمغادرة هو دفع المال. لذلك يجب التمكن من الاتصال بالأقرباء. لذلك يحتفظ الناس بأرقام الطوارئ مكتوبة على ثيابهم لتقديمها للذين سيقضون شؤونهم في السجن إذا دعت الحاجة. ويتصل هؤلاء بالرقم ويقولون إنه يتعين دفع المال لإخراجنا من السجن. البلد في حالة فوضى. الكل مدجج بالسلاح. والأجانب هم الضحايا دوما

لا طاقة للكل بتحمل ما يحدث في غياهب السجن. إذ يحصل المرء على وجبة لا غير على الساعة السادسة ليلا، نزر يسير من الأرز والمعكرونة لخمس أشخاص. هل لك أن تتخيل ذلك؟ ويضربون الناس كذلك. ضربا مبرحا. ففي اليوم الفارط، ضربوا الناس لأن بعض الشباب تذمروا من قلّة الأكل. كانت أعمارهم تتراوح بين ثلاثة عشر عاما وخمسة عشر عاما. كانوا في أمس الحاجة إلى الطعام. بإمكاننا الصبر على الشدائد لكن لا طاقة للأطفال بذلك. لذلك ضرب السجانون الناس. ضربوا الكثير من الناس. حتى أنهم كسروا أرجل البعض. فهم لا يبالون أين يضربون. هم يضربون الرؤوس والأرجل…كيفما يريدون

 

« اليوم هو أجمل ذكريات حياتي »

قضيت ستة أشهر أجمع في ليبيا وأربع سنوات في الجزائر. غادرت بلدي، غينيا كوناكري، في سن الثالثة عشر بسبب وفاة والدي. كان يتكفل بالقيام بكل شيء. ونظرا لكوني بكر عائلتي فقد تحتم على أن أتحمل المسؤولية. وعلى المرء أن يعرف كيف يضحي بنفسه

ذقت الأمرين. كابدت أعوامًا من المعاناة. لكنني في غاية السعادة اليوم. تخذلني الكلمات. فاليوم هو أجمل ذكريات حياتي. على المرء ألا يستسلم البتة. لكن لا يجب عليه الانقياد وراء أحلامه. فعلى المرء أن يعمل عقله ويتعلم ويفقه كيفية سير العالم من حوله. فالحلم غير كاف

عدل الاسم للمحافظة على سرية الهوية